الثلاثاء، 5 يناير 2010

تأملات في مفهوم الحرية


يعاني الواقع الثقافي العربي من بالتباس مفاهيمي خصوصا بين اوساط الشباب مرده الغزو الإعلامي الغربي في مقابل ضعف للحركة الثقافية العربية والإسلامية ومن جهة أخرى إلى عقدة النقص التي ما زالت تنشر ظلماتها على نخبنا، فنحن نقلد أحيانا بدافع الإعجاب و الانبهار أمام مظاهر التقدم الصناعي والعلمي الغربي وأحيانا لإحساسنا بالفشل و العجز المؤدي إلى تولد نوع من الاعتقاد اللاواعي بضرورة تقليد كل ما تنتجه وتصدره الثقافة الغربية.
في تدمير متواصل ومن العمق لكل البنيات والقيم الاجتماعية والثقافية حتى لا تعدوا أن تصير عادت وتقاليد موروثة يمكن التخلي عنها بسهولة .
من هنا جاءت هذه المساهمة المتواضعة التي تحاول استفزاز الفكر العربي الإسلامي و الإنساني وتعلن بان الضعف ليس في ثقافتنا بقدر ما هو في أدهاننا ونفوسنا من خلال هده التاملات في مفهوم الحرية علها تساهم في خلق نوع من الوعي لتجاوز حالة الاستهلاك المفرط والتقليد الأعمى ومحاولة بلورة وعي نقدي متبصر منفتح ومنسجم مع القيم الإسلامية الإنسانية.
ما الحرية؟
من الوجهة التاريخية فإن الحرية هي حالة إنسانية أصلية أو مكتسبة تعبر عن الإنعتاق من القيود التي يمكن أن يفرضها إنسان على أخيه الإنسان إما بمبررات عنصرية أو اعتقاديه أو لأسباب اقتصادية أو حربية تدفع بالضعيف لوضع حريته رهن إشارة القوي.ولما أصبحت الحرية قيمة ذات بعد عالمي ظهرت عدة محاولات تفسير وتحليل هدا المفهوم أهمها التصور المادي اللبرالي الذي قدم نفسه كمرجع شرعي وحيد تكرس بقوة النفوذ السياسي و الاقتصادي في المحافل الدولية وبقوة الآلة الإعلامية ليفرض بالاتفاقيات الدولية في نهاية المطاف وإننا وإن كنا ندعوا إلى الحرية كقيمة إنسانية عالمية فإننا نرفض عولمة التصور الغربي لهذا المبدأ المرتبط بالتصور المادي للحياة. لذا سنعمل على تفكيك هذا المفهوم الذي يسمح بهامش كبير من التلاعب والسفسطة في حال عدم تحديد أساسه المرجعي , وسنحاول إيجاد أدوات السيطرة على فهمه وفهم دعاته ومقاصدهم .
فالحرية هي نتاج لتحقق ثلاث عناصر أساسية دون اعتبار لعنصر الشرعية فبدون إرادة وقدرة واختيار لا يمكن الحديث عن حرية وبدون فهم هذه العناصر لا يمكن فهم الحرية
1. الإرادة والقدرة
لا بد للحرية من إرادة سواء بالإيجاب أو بالسلب بالقبول أو بالرفض في مقابل الإكراه.
فهناك علاقة إطرادية بين الإرادة والحرية فالحرية المطلقة تتطلب إرادة و مشيئة مطلقة
والمشيئة المطلقة بدورها تتطلب قدرة مطلقة والنتيجة هي أن الحرية المطلقة تتطلب قدرة مطلقة
وما دامت قدرة الإنسان محدودة فإن حريته محدودة بناءا على النتيجة السابقة. لذا فهو مكره فيما
لا قدرة له عليه ومضطر للخضوع لما فوق قدرته . لأن الحرية ليست في إرادتها كما يظن البعض بل في القدرة على ممارستها ( فلو أننا نظرنا إلى تاريخ الحرية مند عهد سقراط حتى اليوم لوجدنا أن الخصم الحقيقي للحرية ليس هو المذهب القائل بالإرادة المطلقة والحرية المتناهية فلو أن إرادتنا كانت مطلقة لما كان ثمة شيء يفعل ولكان يكفي أن تريد الشيء حتى يتحقق) فالعوائق التي يمكن أن ترد على القدرة أو الإرادة أو هما معا عديدة جدا ولكن سنحاول التبسيط ولإحاطة باعتماد معيار القدرة على التأثير في هذه
العوائق.فهناك عوائق قابلة للتأثير فيها تضيق دائرتها بامتلاك لإنسان أدوات السيطرة عليها حتى يتمكن من الإفلات والتحرر منها وهناك صنف ثاني لا قدرة للإنسان على السيطرة عليها مطلقا والمتمثلة في نظم وآليات استمرار الكون مثلا والتي تمثل الجزء الأكبر بالمقارنة مع الصنف الأول فكون الإنسان متحررمن قيد لا يعني أنه متحرر من أخرى لدلك فإن الذين يدعون إلى الحرية لا شك أنه لا يقصدون
إلا تحررا نسبيا من قيود معينة وعلى هدا الأساس لا يحق لأي فرد أو جماعة احتكار وفرض مفهوم محدد
يتحدد من خلاله نطاق الحرية بمعنى أن تعريف الحرية أو الإجابة على سؤال متى اكون حرا مدخل اساسي يتحدد من خلاله ما يمكن أن تشمله الحرية وما لا تشمله. وفرض تعريف محدد وفق خلفية اعتقادية معينة يخلق نوع من الإعتقاد بأن أصحاب التصور المخالف لمفهوم الحرية وفق منطلق آخر وكأنهم معادون للحرية و الحقيقة ببساطة هو أن اختلاف المنطلق أدى إلى اختلاف النتيجة , فمتلا هناك فرق بين السماء والارض تترتب عليه نتاءئج غاية في الإختلاف بين المعنيين التاليين للحرية
. 1 : الحرية هي فعل ما أشاء بدون وصاية من أحد
. 2 : الحرية هي الإنعتاق من سلطة الآخرين

الإختيار .
لكي اكون حرا يجب ان امتلك القدرة على الإخيار ولا يهم بعد ذلك إن اخترت العبودية أو أي شكل آخر لحريتي ما دام ذالك الإختيار نابعا من إرادتي وليس من إرادة أخرى وعلى ذلك يكون التزامي بشكل معين للحرية أو اللاحرية وجه من أو جه القدرة على الإختيار ولكن السؤال المطروح هل تستمر حالة الإختيار
وما قبلها إلى الأبد .الحقيقة هي أنه لا يمكن تصور استمرار هذه الحالة لان الحرية تتطلب الإختيار
الذي يعطي معنى للحرية ولكنه في نفس الوقت يحد منها ويحصرها في نطاق معين ويفرض عليها عدة
التزامات بالمقارنة مع حالة ما قبل الإختيار حيث يكون في حل من امره لكنه لا يتمتع بامتيازات
الحرية كالغني الذي لا يريد المخاطرة بالمتاجرة بماله لكي يحافظ صفتة وانتمائه لفئة الأغنياء
ومن المعلوم ان الحياة الجماعية وسعي الإنسان لحياة أفضل وموقع متميز بين أفراد جماعته
يجعله يرتضي تقييد حريته بمجموعة من الإلتزامات الفردية والجماعية القمينة يجلب مصالح وامتيازات
ما كان ليحققها دون تقييد فخير وسيلة لامتلاك الحرية هي توضيفها فالممثل مثلا حينما يواق على
تشخيص دور سنيمائي أو مسرحي فأن حريته بالصورة السابقة على الإلتزام بالعقد تكون مقيدة
فلا يحق له الإدعاء بأنه حر فلا يلتزم بما تعاقد عليه وإلا اعتبر مرتكبا لفعل غير مشروع ومعتديا على
حقوق الآخرين ولا يمكن اعتباره في هذه الحالة حرا بأي حال من الأحوال وكما هو الحال بالنسبة
للمسلم الذي يذخل لحضيرة الإسلام بمقتضى ميثاق مع الله أو بمقتضى ميثاق أجتماعي لايحق
له بعد التزامه الإرادي عدم تطبيق قواعده بدعوى الحرية فإن فعله لا يجب وصفه بالحرية
بل بالعمل غير المشروع ويستوجب إيقاع العقاب المناسب على أساس الميثاق المرجعي إن كان الميثاق
إلاهي كان العقاب إلاهي وإن كان الميثاق أجتماعي وجب عقاب اجتماعي
من هنا نقول أن الإختلاف في مفهوم الحرية من ثقافة إلى أخرى يجعنا نقول بأن الدعوة إلي ممارسة الحرية بالمفهوم الثقافي الغربي داخل المجتمعات المسلمة دات التصورات المختلفة يعد دعوة في أحيان كثيرة إلى القيام بأعمال غير مشروعة تحت غطاء الحرية .
من هنا تبين لنا أبرزالمواضيع التي يجب على المنظمات الحقوقية الدفاع عنها ألا وهي حماية الإرادة الفردية والجماعية وحماية القدرات التي تمكن من ممارسة الحرية الفكرية والدفاع عن حرية الإختيار بصيانتها عن التوجيهات السياسوية وأشكال العنف المعنوي جنسيا ونفسيا وثقافيا التي تمارسها جماعات المصالح السياسية الإقتصادية عبر الوسائط الإعلامية و التعليمة والتشريعية , كل دلك يجب أن ينضبط في إطار المرجعية الفلسفية للميثاق الإجتماعى , ومن هذا المنطلق نعتقد أن على حركات الدفاع عن حقوق الإنسان أن تراجع مرجعياتها وتصحح تصوراتها بالإنضباط أولا للمرجعية الإجتماعية
باعتبارها المصدر الأول الدي تستقى منه التصورات وليس المرجعية الدولية لأنها لا تعبر في الواقع سوى عن تصورات الأمم الغالبة التي تفرض تصوراتها بأشكال أصبحت مفضوحة ولانها تتعارض
مع جانب كبير من تصوراتنا الإجتماعية سواء من حيث أسس ومصادر الحقوق والواجبات ومن حيث
المنطلقات والأهداف الإجتماعية لدالك فكل من يدافع في مجتمعاتنا عن حقوق الإنسان بمنطلقات لا يؤمن بها المجتمع هو في الحقيقة يدافع عن تكريس تصورات وقيم غريبة تهدد التوافق والإنسجام والأمن
الإجتماعيين لأنه يحاول التأسيس لشرعية غير متفق عليها .
الحرية والشرعية
لا قيمة للحرية بدون فضيلة تتمثل في الإنسجام مع النظام الكوني والتناغم معه بشكل يحقق تحسين ظروف الحياة الفردية وتامين الإستقرار والسلم الإجتماعي بسرعة تطور مناسبة تحافظ على إنسانية الإنسان واستقلاله وتحافظ على البيئة وتصون النظم التشريعية والأخلاقية وقيم الفضيلة
نعتقد أن الحرية ليست قيمة في ميزان الفضيلة وإنما تتجلى قيمتها في توظيفها لخدمة الخير أو تلبسها به
مثلها مثل كافة الضرورات الحياتية الأخرى المحايدة فالمال والوقت ضروريان جدا ولكنهما لا يكتسبان قيمة إلا عند توظيفهما في منافع ومصالح وليس بناءا على ندرتها وفقا لقانون العرض والطلب , فالذين
يعتبرون الحرية قيمة بناءا على هذا القانون يخلطون بين قيمة الحرية كمعطى واقعي وحاجة إنسانية تقدر بقدرها وبين اعتبارها قيمة يتحقق الخير أكثر كلما تمت الاستزادة منها فالحرية لا تتضمن خيرا في ذاتها بل يتوقف خيرها وشرها على طبيعة استعمالها ومدى انضباطها لقيم الخير والفضيلة وهكذا لا يمكن القبول بحرية جنسية إلا باعتبارها حاجة إنسانية تقدر بالقدر الذي يلبي حاجة الإنسان ويحفظ وجوده وماهيته بصون عفافه وضمان استقلال وتحكم عقله في غريزته أما فصل الحرية عن القيم والأخلاق واعتبارها قيمة في ذاتها تعلو ولا يعلى عليها يؤدي إلى اعتبار الشيوعية الجنسية حالة طبيعية لا يجب التصدي له بل يجب مباركته لأنه يعبر عن قمة التحرر من القيود ......... مع ما تحمله من آثار مدمرة للوجود البشري لذلك وجب الفصل بين أهمية وضرورة الحرية في الحياة وبين اعتبارها قيمة فاضلة فنخلص إلى أن الحرية يجب أن تتأسس على شرعية ولست الحرية أساس الشرعية ولا ضير بعد ذلك إدا أختلف مفهوم الشرعية من مجتمع لآخر الراجع إلى اختلاف أعمق يمتد إلى اختلاف العقائد والمعايير الفلسفية, وهذا يجرنا للتساؤل حول جوهر الاختلاف بين التصورات المتعددة لمفهوم الحرية من خلال رصد هدا المفهوم في إطار مجموعة من العلاقات لأجل الوقوف على مدى وأثر ومآلات التأثير المتبادل مع عدة مواضيع تشكل مجال حيويا لهذا المفهوم حتى نتمكن من خلق وعي بالمخاطر التي يمكن ان يخلقها الفهم الخاطئ لهدا المفهوم مما يؤدي حسب اعتقادنا إلى تطبيق مدمر بالتبعية لكل القيم المعيارية الخالدة التي تمثل حقيقة الكون وسر وجوده واستمراره .
علاقة الحرية بالله عز وجل
إن لهذه العلاقة أثر حاسم في تحديد موقف الإنسان من الحرية فعلى ضوء تحديد موقفه من من وجود أو عدم وجود إلاه أو آلهة يتحدد موقع الإنسان في الكون وطبيعة دوره .فهل الإنسان هو الذي خلق الله ام أن الله هو الذي خلق الإنسان بمعنى هل الإنسان حاكم أو محكوم سيد أو عبد إن فرضية عدم وجود الله تؤدي بنا إلى اعتبار الإنسان سيد هذا الكون وحاكمه يستمد حريته من ذاته وبالتالي لا سلطة مرجعية غيره أو فوقه تفرض علي حريته حدودا أو تعطي لها معنى معينا فلا مجال هنا للمعايير القيم والقواعد التشريعية
الثابتة بمعنى أن زمام الحرية بيد الإنسان نفسه يصرفها كيف يشاء .....
هذا التصور نعتقد أنه يمثل خلاصة الفكر المادي الغربي ونتاجه, و إدا علمنا أن محركات ومحفزات الحرية الإنسانية ودافع حركيتها وتجسدها العملي لا تخرج عن أن تكون حوافز مادية مصلحية ترتبط لذتها بالجسد أو حوافز روحية قيمية ترتبط معاني لذاتها ومبررات وجودها بالله فإن إسقاط وجود الله أو على الاقل فصل حرية الإنسان عن نطاق سلطته يجعل الإنسان حبيس مفهوم مادي للحرية محكوم بمبدأ البحث عن المصلحة في طبعتها المادية كأساس تبنى عليه مختلف أعماله وتصرفاته ومن تم تتحقق الصورة المادية المدمرة للحرية التي لا تعرف ثباتا لمفاهيم الحق والخير والأخلاق في مقابل الإعلاء من قيمة المطالب والحاجات المادية لذلك يمكن القول بان هذا التصور وإن كان يبدو عليه من الحرص على تعزيز حرية الإنسان ودعم توسيعها فإنه يشترط ضمنا الإقرار بالسيادة الوحيدة والمطلقة للإنسان على نفسه مبدإيا ولكن وبما ان الصيرورة التاريخية للثقافة المادية تؤدي اقتصاديا لسيطرة لوبي المصالح فإن هدا اللوبي غالبا ما يسعى على التأثير على الجماهير كي يتمكن من التحكم في أنماط تفكيرها وأساليب
عيشها عن طريق التنميط وإعادة بناء ثقافة الجماهير المنبنية على الإنتاج في دول المركز و الاستهلاك
في دول المحور أو الهامش ويتعمق التغلغل ليصل مده عن طريق تغيير مفهوم اللذة بفصله عن الدين و الله والمتل و بربطه بالجسد والمادة كل هدا ليس بسر يكتشف لأول مرة بل إن هده الإستراتيجية قد قطعت مراحل مهمة بل إن أكلها النتن بدا ينمو ويتكاثر مع الوقت في أدهان فئة عريضة من سكان العالم.
ما يعاب على هذا التصور هو أن حرية الإنسان التي يدعوا إليها مستحيلة والتي يمارسها هي حرية صورية لأنها متوقفة على شروطه خارجية فزمنيا هي محصورة في مدة حياة الإنسان في حين ان الحرية الحقيقية لا يقف أمامها حائل لا في الزمان ولا في المكان في حين أنها محصورة في الأرض ومن حيث النطاق مرتبطة بالطاقة والنفوذ بل محدودة حتى في الإرادة الممكنة فقط في حدود النظام الكوني .فالحرية الحقيقية هي التي تستطيع أن تتحكم في هذه الشروط لا أن تخضع لها مع ما يتطلبه ذلك من قدرة مطلقة تخلق نفسها بنفسها وتتحكم في زمنيتها وتخلق القانون والنظام الذي تريد .أما اختصار الحرية في إطلاق العنان للإنسان ليفعل ما يريد فلا يمكن فهمه إلا من منطلق اللاعقيدة ومن منطلق التحرر من سلطة الحق
والصواب وتغليب سلطة الباطل والأهواء و من تم تنشأ علاقات الصراع والاستغلال و الهيمنة أما إرادة الأغلبية فلا أثر لها إدا كانت أغلبية الضعفاء والمحتاجين و الجوعى لأن مصدر التشريع في مجتمع الحرية هو القوة و النفوذ كآلية فعالة في التأثير الاجتماعي ووو... قبل التشريعي أما الديمقراطية فليست إلا مظهرا صوريا لإرادة الشعب. وبشكل عام يقف الإنسان كمحارب للجميع في سبيل توسيع حريته و الوقوف إمام أي قيد يحول أمام الحرية اللذة وإن كان لا بد لأي نظام اجتماعي أو اقتصادي فلبكن في
الحدود الضيقة .
وباتي الإسلام كتصور مقابل يحدد موقع الله في الكون كمركز ومرجع ومقياس للخير والشر باعتباره حقيقة فوق عقلية لا يمكن إدراك ماهيتها لمحدودية الطاقة ولان النسبي لا يمكنه إدراك المطلق لدى وجب عليه الاستدلال على وجودها واستشعار حكمتها بقوة التأمل والمشاهدة للدقة المتناهية للنظام الكوني الدي لا اختمال للصدفة فيه إلا بنسبة 0 % هذا التصور يحاول رسم سورة واقعية ومتوازنة لعلاقة الإنسان بالله بحيث لا تعارض بين عبودية الإنسان لله المنفرد بخصائص الإلوهية و الربوبية وبين رفعة الإنسان المتحرر من النوازع الشهوانية والتملكية وتحكمها في الفكر بشكل يجعلها تحجب عن العقل حقائق وجود الله ولا عبثية الكون وحقيقة الحساب لا لشيء إلا لأنها ستحد وتضبط زحفها نحو اللذة لذلك لم يكن معظم الكفار بالله من المفكرين والمتأملين بل من الشهوانيين والمصلحيين أمل المتحررين الحقيقيين فهم الذين تحرروا من سلطة النوازع و الأهواء الذين عرفوا لهذا الكون إلها وآمنوا به واستسلموا له .وطالما أن العبودية نتيجة لا بد منها فلتكن عبودية الحقيقة على الأقل لأنها أسمى من عبودية الغرائز أو الشهوات
أو الذات او اللذات أ أي شيء آخر فلا حاجة عندما يراد رفع الإنسان وتكريمه أن تخلع عنه عبوديته لله
أو إضفاء ألوهية ليست له ولا حاجة إلا تصغير لله سبحانه كلما احتيج لتعظيم الإنسان ولا تعارض بين مشيئة الله المطلقة ومشيئة الإنسان أذ ان إثبات الواحدة لا ينفي الأخرى فمشيئة الله المطلقة قضت بأن تمنح للإنسان قدرا محدودا من الحرية بغاية إثبات مسؤولية الإنسان عن أفعاله حتى تنتفي الجبرية فيحصل التكليف ويمكن الحساب , من هنا تتضح خصوصية الحرية في التصور الإسلامي كأساس تكليفي و كمؤشرعلى حصول العبادة بالإرادة المطلقة عن أي إجباروحتى تثبت ألوهية الله وقوة حضوره في الكون لمخلوقات عاقلة تعترف بجلاله دون أن تخضع لإجباره وهذا ما نعتقده واحد من أسباب خلق الإنسان , فالله هو أساس وغاية الحرية لدى تكون عبودية الله هي أصل الأعمال والأفعال التي يجريها المؤمن في حياته لذلك قال إبراهيم عليه السلام في دعائه الشهير( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي هي لله رب
العالمين )
الحرية بين العقل والغريزة
لا يمكن إنكار ضرورات الغرائز التي أودعت في الإنسان بحيث تؤدي وظائف جمة تهدف إلى استقرار الإنسان مع ملاحظة جوهرية وهي ارتباطها الإطرادي باللذة كحافز يخدم بقاء واستمرار الحياة
وتكاثر النسل غير أن هذا الإرتباط يحتاج إلى قيادة تتجدد في العقل باعتبارهىلية حكم مبرمج بالعقيدة كمنطلق و مسار وغاية يعمل على الملائمة بين الحاجيات الغريزية والعقيدة بحيث يقلل ما أمكن من حالات التعارض .
فالإنسان كالسفبنة التي يقودها حاسوب يحكم ويوجه السفينة إلى المسار الصحيح علىأساس المعالم الحددة مسبقا في الخريطة (العقيدة) فإدا غاب القائد وترك المحرك والمقود يعملان بمفردهما (الغرائز)
فلا شك سينحرفان عن المسار أو يتجاوزان الهدف بفعل ثأتيرت غير العقل ربما داخلية أو خارجية
كدلك ويمكن الوقوع في نفس النتيجة إدا لم نبرمج العقل على هدف معين أو برمجناه للإتمار بالتوجيهات الغريزية إدا كان هدفنا هو الإبحار في حد ذاته والإستمتاع به دون التقيد بهدف غيره .
من ثم يتبن فساد الحرية الغريزية التي تتجه دائما إلى تحقيق أكبر لذة وإقرار هذه الحرية والدفاع عنها فوق حدود الحاجة وخارج إدارة العقل والعقيدة فيه مخاصمة صريحة لحرية العقل نظرا للعلاقة العكسية
بين حرية العقل وحرية الغرائز المحكومان بعلاقة صراع يؤدي فوز إحداهما إلى إخضاع الى الآخر وجعله خادما له فالعقيدة المتوازنة هي التي تعترف بالحاجيات الغريزية كضرورة إنسانية (وليس كحرية غريزية ) خاضعة للعقل الحكيم وخادمة لتخطيطه و أثناء قيامه بالوظيفة الأساسية المنوطة به وهي البحث عن الحقيقة و وتأمين التزامها .لدا يجدر بالمدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان الدفاع عن حق الحصول على الحاجيات الغريزية وليس الدفاع عن حرية الممارسات الغريزية والدفاع أكثر عن حرية الفكر وإشاعة الحرية العقلانية بدل الغريزية التي تعتبر عدوة الأولى فرديا وجماعيا على السواء

من أهم الإشكاليات التي تطرحها الحرية يمكن تحديدها في ماهية الحرية وحدود وجودها في الواقع
وأساس شرعيتها .
خلاصة القول أن لا وجود للحرية بالمعنى الذي يقصد به القدرة على فعل أي شيء دون الخضوع لأي
سلطة فوقية تمارس الرقابة أو تجبر على فعل شيء أو نفيه لأن الحرية لما كانت وليدة تلاحم وتكامل بين كل من الإرادة والقدرة و الاختيار فإنها ستكون رهينة وجود و اجتماع هذه المكونات, وستتأثر بمدى
نسبية هذه المكونات لأن الإرادة محدودة بالزمان والمكان والقوة أو القدرة كما أنها محدودة بالتشريعات
و بالمواثيق والعقود الفردية أو الاجتماعية التي لا يشترط دائما أن يكون قد اتفق عليها أو رضي بها
بالنسبة للللتشريعات ذات الإرتباط الوثيق بالكيان الاساسي للمجتمع والتي لا يسع الافراد سوى الخضوع
لأحكامها بما تتضمنه من أوامر ونواهي مثل لزوم الخدمة العسكرية و الإمتناع عن القتل والسرقة وهده القواعد لا تستمد شرعيتها من عقد إجتماعي مفترض بل من كون الإجتماع ضرورة وحاجة إنسانية
وفرض قواعد حفضها يستمد أساسه من القاعدة الفقهية التي تقول مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب
فلا يجدر بالمشرع ترك تقدير قيمة هذه القواعد للحرية الفردية لأن الحرية الفردية تترك هامشا واسعا
لتدخل عوامل تحول دون تطبيقها من بينها الأنانية الفردية كلما امتلك الفرد أسباب النفود والسلطة
تجعله يميل لتطبق القواعد التي تخدم مصلحته ثم هناك عائق عدم إدراك الفرد وفي أحيان كثيرة
لقيمة قاعدة معينة بسبب النقص في الإدراك أو الخبرة أو التقدير كما أن ترك تقرير أوتقديرأو هده القواعد
لحرية الافراد يشكل تهديدا للنظام الإجتماعي لان الحرية تفترض إمكانية تغيير الإدرادة وهذه القواعد
تتطلب الثبات ولا يعقل تأسيس الثابت على المتحول فتدخل الحرية في هدا الجانب محدودة سواء
من حيث السلطة المكلفة بتقرير هذه القواعد ومن حيث مدها لأن ضابط التقعيد ليس هو الحرية بل طبيعة
الشيء ولوازمه



ولا يتبقى له في نهاية المطاف سوى الاختيار المحصور بين خيارات أتيحت له إما بحكم الطبيعة وإما بتدبير الآخرين وهده العملية الأخيرة لا يمكن تسميتها بالحرية لوجود إرادات فوق إرادة شخص أو جماعة
كانت هي المسؤولية عن تهيئ وإعداد الخيارات المسبقة من ثم يمكن القول بأن دعاة ممارسة الحرية بالطريقة الأمريكية هما واحد من جماعتين جماعة من الأذكياء المخططون ـ وأذنابهم من المرتزقة المنتشرون عبر العالم ـ الذين يملكون من القدرة على التأثير في خيارات الآخرين عن طريق التعليم والإعلام والسياسات الاقتصادية والاجتماعية وبالاستفادة من نتائج العلوم الإنسانية والتطبيقية التي أثبتت سهولة قيادة وتوجيه الإنسان بقدر إيمانه بالمذهب المادي عقيدة ثم أخلاقا ثم نظاما اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا,وبقدر تخليه عن الأفكار الجازمة ذات الأصول الدينية الروحية الأخلاقية الثابتة ـ المتعارضة مع المصالح والمعايير المادية المتحولة ـ والتي تشكل عامل تهديد لوجود هدا المذهب الذي يعتمد على مبدأ مركزي أساس فلسفته ودعامة لاستمراره وانتشاره وجوهر دعوته ألا وهو جلب أكبر لذة مادية بأي ثمن
ودفع الالم المادي بأي ثمن وعلى هدا الأساس يقوم مفهوم الخير والشر ولهدا الهدف يجب أن تقوم المجتمعات والنظم والتشريعات.من هنا يكون مقتل الطامحين الطامعين والمتأثرين ـ بوعي أ وبدونه ـ بنمط الحياة الدين يرغبون في الاستفادة من هذه الثقافة بما تحققه من تحرر من قيود الفطرة والدين والانطلاق في عالم اللذة المفتوحة من هنا تتمكن الجماعة إياها من سلب هؤلاء لحريتهم الفكرية
والثقافية بتشجيع وتدعيم الفكر المادي وعولمته باعتباره ثقافة عالمية واحتضانه في التعليم والإعلام وبممارسة العنف المعنوي على الفكر المخالف بالتشهير به واحتقاره وتدجين المعتنقين له بالتدريج
وبمرور الأيام عن طريق الإدارة البشرية بالتهييج الجنسي المؤدي إلى فقدان السيطرة على الذات وخلق نوع من التناقض مع المبادئ المؤدي إلى الاستسلام في أحيان كثيرة جدا بتكريس إشاعة ممارسات ترغب فيها النفوس الضعيفة كإقرار الحرية الجنسية على المستوى الاجتماعي بدون قيد أو شرط ورفض تقييدها في مؤسسات اجتماعية محددة وكإقرار التماثل بين الرجل والمرأة لاستمالة عاطفة النساء اللواتي عانين طوال عقود طويلة من جور المعتقدات الجاهلية الوسيطة في ضرب بعرض الحائط لكل الاختلافات البيونفسية التكاملية .قد يبدو للبعض ان في هدا الكلام نوع من التحامل على الغرب الدي يعمي عن رؤية الجوانب الإيجابية التي يتميز بها , لدالك أود القول أننا لا نخالف الغرب كشعوب ولا نرفض ثقافته جملة و تفصيلا وإما نحاول ان نبين مدى غلو الفكر المادي الدي تتأسس عليه هده الثقافة وإبراز النتائج المدمرة التي ترتبت عنها والمستقبل الدي ينتظر الإنسانية إدا لم تنتبه لآثارها المدمرة.

محمد أمين أبوعبيدة مارس 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق